تقديم الشيخ العلامة الشريف محمد حمزة بن محمد
علي الكتاني الحسني
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على
سيدنا محمد وآله وصحبه .
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا أَحْمَدَ
الَّذِي جَعَلْتَ اسْمَهُ مُتَّحِداً بِاسْمِكَ وَنَعْتِكَ . وَصُورَةَ هَيْكَلِهِ
الْجِسْمَانِيّ عَلَى صُورَةِ أُنْمُوذُجِ حَقِيقَةِ خَلَقَ اللهُ سَيِّدَنَا آدَمَ
عَلَى صُورَتِهِ . وَفَجَّرْتَ عُنْصُرَ مَوْضُوعِ مَادَّةِ مَحْمُولِهِ مِنْ
أَنِيَةِ أَنَا اللهُ . بَلْ حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ
اللهَ عِنْدَهُ . وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.
الحمد لله
رب العالمين، المصلي على سيدنا محمد ابتداء وانتهاء دون مين، والآمر ملائكته
بالصلاة عليه ثم كل المؤمنين، فما كان أمر كهذا إلا وهو ذو شأن عظيم، وقدر فخيم،
وكيف لا والحق تعالى وصفه بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم)، (وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين)؟.
اللهم
صل أفضل صلواتك، على أشرف مخلوقاتك، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه عدد معلوماتك،
ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون، وسلم
تسليما كثيرا.
أما
بعد؛ فقد أوقفني الخل الوفي، والأخ الفاضل، العالم المدرس النفاع؛ الشيخ الحاج
رزقي ذو القرنين بن أصمت البتاوي الأندنوسي على هذا المجموع الفريد، الذي هو عقد
غير أنه بين أمثاله فريد، فقد ضمنه من صلوات ساداتنا العارفين بالله تعالى الشيء
الكثير، ومن المباحث العلمية ما يدل على فهم واطلاع غزير، فهو درة وأي درة لمن عرف
قدره، لا سيما وأنه تضمن ذكر مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، الذي
هو الترياق المداوي من أمراض الظاهر والباطن، وذكر شمائله المنيفة، وخصاله
الشريفة، الظاهرة والباطنة، المقتبسة من الوحيين، والناهلة من العلمين .
ولن
أدخل في معارف الكتاب وفرائده، فهي أمور يستمنحها القاريء ويستكشفها، ولمريد العلم
والهدى أن يشرحها ويبحث فيها، فهي جنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر
على قلب بشر، وإن كان تقديمها للأمة الإسلامية في هذه السنين الظلمانية؛ لتكون
سببا في الفرج، ورفع الغضب الإلهي والمقت، إذ بالصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم ينطفيء الغضب الإلهي كما قال بعض العارفين .
وكيف
لا وقد ذكر العلماء بالله تعالى رضي الله عنهم أن من أهم الأسباب الباطنية لرفع
المقت والغضب الإلهي: كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة بالصيغ
النبوية المحمدية التي أرشدنا إليها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، أو التي
ابتكرها السلف الصالح، صحابة وتابعين فمن بعدهم، أو التي أملاها خاصة الخلق من
العلماء بالله، العارفين بالله تعالى، التي جمعت خصال النبي صلى الله عليه وسلم
الظاهرة والباطنة، وشمائله المادية والمعنوية .
فكما
هو معلوم، وفي غير ما ديوان مسطور ومنظوم؛ قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما
من أحد يسلم علي إلا رد الله تبارك وتعالى علي روحي حتى أرد عليه السلام".
فتخيل كم من خير وبركة تعود على المرء إذا سلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛
وقال له: وعليك السلام؟. والسلام اسم من أسماء الله تعالى، وهو في مقابل العقاب
والانتقام، فهو جماع النجاة الدينية والدنيوية.
وما
قولك في ذكر التزمه الحق جل جلاله بنفسه، وأمر به ملائكته، ثم امرنا به في قوله
تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما)؟؛ قال العلماء رضي الله عنه: في الآية حض على كثرة الصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم، ولم يحصر الحق تعالى صيغة من الصيغ، بل جعلها عامة شاملة لكل صيغة
ابتكرها محب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله. وهو منهج الصحابة الكرام
والسلف الصالح الذين تنوعوا وتفننوا في صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
كما جمع بعضه الإمام القسطلاني في كتابه "مسالك الحنفا في مشارع الصلاة على
النبي المصطفى".
وقد
اختلف العلماء قديما وحديثا في معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال
الإمام الحافظ العارف بالله الشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني قدس سره؛ بأنها
مما استأثر الله به في علم الغيب عنده. غير أنه تجلى لي في معناها وجه لم أجد من
أشار إليه؛ وهو: أن معنى صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم: طلب الصلاة علينا
من الحق تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو نوع من التوسل ! .
إذ
مؤداه: اللهم إنك قد صليت على حبيبك وشفيعك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
وأمرتنا بالصلاة عليه، وأبلغته أنك تصلي على من يصلي عليه، ونحن نصدقه في هذا
الخبر، ونعلم أنك قد صليت عليه وسلمت ابتداء دون حاجة لدعائنا، ولكننا ندعو حتى
تصلي علينا إكراما لمكانته عندك صلى الله عليه وسلم . هذا في صيغة الدعاء .
أما
في حالة صيغة الخطاب؛ من نحو قولنا: "صلى الله عليك وسلم"؛ فهو تقرب
واستشفاع للنبي صلى الله عليه وسلم؛ من نحو قولنا: يا رسول الله؛ ادع الحق تعالى
أن يصلي علينا كما نصلي عليك... أو: صل علينا أيضا لنخرج من الظلمات إلى النور؛
لأنك تتخلق بأخلاق الله تعالى، ومن أخلاق الله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم
وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما). [الأحزاب: 43]، وقد
سلف أنه صلى الله عليه وسلم يسلم على من يسلم عليه .
وقد
ذكر العلماء والعارفون للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله فوائد جليلة،
أفردوا لها المصنفات والكتب، بحيث لا يمكن حصر تلك الفوائد ولا استقصاؤها .
أرى العنقاء تكبر أن
تصادا
|
فعاند من تطيق له
عنادا
|
ولكن
يمكن ذكر بعضها؛ وهي:
-
طاعة الحق تعالى في
أمره لنا بالصلاة عليه سلى الله عليه وسلم .
-
طاعة النبي صلى الله
عليه وسلم في إرشاده لنا بالصلاة عليه .
-
الاقتداء بالحق تعالى
في ذلك .
-
الاقتداء بالنبي صلى
الله عليه وسلم في ذلك .
-
الاقتداء بملائكة
السماء والأرض في ذلك .
-
التعلق والارتباط
المعنوي بالنبي صلى الله عليه وسلم .
-
المحسوبية على النبي
صلى الله عليه وسلم وخدمته بالصلاة عليه . وفي ذلك يقول الإمام البوصيري رضي الله
عنه:
وإذا ما الجناب كان عظيما
وإذا عظمت سيادة متبو |
مُد منه لخادميه لواءُ
ع؛ أجَلَّ أتباعه الكبراء |
-
ومنها: مغفرة الذنوب
والأوزار .
-
ومنها: أنها دعاء لله
تعالى .
-
وأنها سبب لرضوان الله
الأكبر .
-
وأنها سبب لرفع البلاء
والمقت من الله تعالى، وإبراد غضبته تعالى على الخلق.
-
وأنها سبب في رفع
الفتن والإحن والمصائب والكوارث .
-
وأنها سبب في تكثير
الرزق المادي والمعنوي والروحي .
-
وأنها قد تقوم مقام
شيخ التربية في الوصول للحق تعالى .
-
وأنها سبب في قبول
الدعاء .
-
وأنها سبب في الحفظ
الظاهري والباطني...إلخ .
فجزى
الله تعالى أخانا الفاضل الشيخ الحاج رزقي ذو القرنين أصمت البتاوي الاندونوسي على
سوقه هذه الخريدة العرفانية، وأسأل الله تعالى أن ينفعنا وينفعه وينفع سائر الأمة
المحمدية بها، اللهم آمين يا رب العالمين . وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد
وآله وصحبه .
الشريف محمد حمزة بن محمد علي بن محمد
المنتصر بالله الكتاني الإدريسي الحسني
غفر الله له ولوالديه بمنه وكرمه
بمدينة الرباط بالمغرب الأقصا في 23 صفر الخير
عام 1434هـ
الموافق: 5يناير عام 2013 للميلاد
Tidak ada komentar:
Posting Komentar